أولاً: الرجوع إلى غير الكتاب والسنة، والتلقي من سواهما
مصدر الحق الوحيد فيما يتعلق بالعقيدة والدين هو الكتاب والسنة، كما فهمها الصحابة والسلف الصالح، ولهذا كان الرجوع إليهما والفهم الصحيح لهما هو سبيل الحق وطريق النجاة.
يقول تعالى: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))[الأنعام:153].
ويقول: ((وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ))[النحل:64].
فالوحي -كتاباً وسنة- هو المصدر المحفوظ المعصوم، الذي لا يضل من تمسك به، ولا يشقى في الدنيا والآخرة.
وقد ضلت الفرق وتفرقت الأمة عندما اتخذت مصدراً سواه، وتوهمت فيه العصمة والحق:
أ- فالمتكلمون -كـالمعتزلة والأشعرية- رجعوا إلى الفلسفة، وحكَّموا العقل -بزعمهم- وقالوا: نعرض نصوص الكتاب والسنة المتواترة على البراهين العقلية، فإن وافقتها وإلا وجب تأويل النصوص، وصرف معانيها إلى معانٍ أخرى، وإن كانت هذه المعاني التي صرفوا إليها بعيدة متكلفة لم يُردها الله ورسوله.
والسنة غير المتواترة لا يحتجون بها في العقيدة أصلاً، مهما كانت صحتها:
ولهذا انصرف همهم إلى ترجمة كتب الفلسفة والمنطق، ومطالعتها، والاشتغال بها متابعة أو معارضة.
ب- والصوفية حكَّموا ما يسمونه الكشف، أو الوجد، أو الذوق، وقسموا الدين إلى حقيقة وشريعة، فالشريعة هي ما جاء في الكتاب والسنة، وكلام السلف والفقهاء، ويسمونها: (علم الظاهر)! والحقيقة هي ما يأتي من طريق الإلهامات والرياضات الروحية والمنامات، ويسمون ذلك (العلم الباطن) أو (العلم اللَّدُنِّي).
ويرمزون للعلم الظاهر بعلم الوَرَق، والعلم الباطن بعلم الخِرَق! ولهذا ورد عن بعض أئمتهم قوله: (تأخذون -يعني: علماء السنة- علمكم ميتاً من ميت، فتقولون: حدثنا فلان عن فلان.. ونحن نأخذ علمنا عن الحي الذي لا يموت، فنقول: (حدثني قلبي عن ربي) !!
وإيماناً بهذا المصدر، لم يكن الصوفية يرحلون في طلب العلم، أو يهتمون بكتب السنة والفقه، وإنما كانوا يرحلون إلى الخلوات والأديرة، ويقابلون الرهبان من النصارى والبوذيين وغيرهم، فيسألونهم عن دقائق المعرفة والأحوال. كما أنهم اشتغلوا بالأشعار وسماع الأغاني؛ لإثارة الوجدان وتحريك القلب، وأعرضوا عن سماع القرآن وتلاوته.
ج- والشيعة الباطنية جعلوا المصدر المعصوم هو كلام أئمتهم، ولذلك كان من أصول دينهم: أن الأئمة معصومون عن الخطأ في الفروع والأصول، وليس علماؤهم ومجتهدوهم إلا نواباً عن الإمام، وحجاباً له.
فأعرضوا عن المصدر الثابت المعلوم -الكتاب والسنة- وتمسكوا بالمصدر الموهوم، بل المعدوم، وهو الإمام الغائب في السرداب، وما أشبهه.